العدوان الإسرائيلي على لبنان- رسائل إقليمية عشية عيد الأضحى

المؤلف: جيرار ديب08.30.2025
العدوان الإسرائيلي على لبنان- رسائل إقليمية عشية عيد الأضحى

في يوم الخميس الموافق 5 يونيو/ حزيران، تعرضت الضاحية الجنوبية لبيروت لسلسلة عنيفة من الهجمات، حيث شنّت الطائرات الإسرائيلية المُسيّرة والمقاتلات الحربية 23 غارة جوية متتالية. هذا التصعيد الخطير جاء بعد وقت وجيز من إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء عاجلة لسكان مباني في مناطق الحدث، وحارة حريك، وبرج البراجنة، مما أثار حالة من الذعر والقلق بين المدنيين.

الغارات الإسرائيلية وقعت على الرغم من الجهود التي بذلها الجيش اللبناني، بالتنسيق الكامل مع لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، حيث قام الجيش اللبناني بتفتيش بعض الأبنية التي زعمت إسرائيل وجود مصانع للصواريخ والطائرات المسيّرة فيها، وذلك بهدف دحض المزاعم الإسرائيلية الواهية. ومع ذلك، أصرّت إسرائيل بشكل مفاجئ على تنفيذ ضرباتها، مما اضطر الجيش اللبناني، حرصًا على سلامة جنوده، إلى الانسحاب. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا أصرّت إسرائيل على شنّ هذه الغارات رغم تدخل الجيش اللبناني ومحاولاته الحثيثة لنزع فتيل الأزمة؟

المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، ومن خلال حسابه الرسمي على منصة "إكس"، أكد أن "جيش الدفاع قام بتوجيه ضربات دقيقة ومدروسة من خلال طائرات حربية، استهدفت مواقع إنتاج ومستودعات لتخزين الطائرات المسيّرة التابعة للوحدة الجوية في حزب الله (الوحدة 127) في الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان".

لكن يبدو جليًا أن إسرائيل كانت تبحث عن أية ذرائع واهية لتبرير اعتداءاتها المتكررة على لبنان. هذا التحرك الإسرائيلي في هذا التوقيت الحساس بالذات، ورغم الاستعدادات الرسمية والشعبية في لبنان للاحتفال بعيد الأضحى المبارك، جاء بعد مرور 24 ساعة فقط على استخدام الولايات المتحدة لحق النقض (الفيتو) في الأمم المتحدة ضد قرار يطالب إسرائيل بوقف عدوانها الوحشي على قطاع غزة والسماح الفوري بدخول المساعدات الإنسانية الضرورية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتبر أن الفيتو الأمريكي بمثابة ضوء أخضر لجيشه لمواصلة حربه العدوانية على أكثر من جبهة، وعلى وجه الخصوص الجبهة اللبنانية التي يشكل فيها حزب الله الركيزة الأساسية للمحور الذي يضم النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة.

والجدير بالذكر أن هذا الفيتو يعتبر الأول من نوعه الذي تستخدمه واشنطن في مجلس الأمن الدولي منذ عودة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي. وقد أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن سعادته البالغة بهذا الفيتو، مؤكدًا أنه جاء ليدحض كل الادعاءات الكاذبة التي شككت في قوة العلاقة بينه وبين الرئيس بايدن.

إسرائيل ماضية في تنفيذ مخططاتها الحربية في المنطقة، وبالتالي فإن هذه الضربات التي وجهت إلى لبنان لن تكون الأخيرة. فبحسب المراقبين، هذه الاعتداءات مستمرة طالما أنه لا يوجد رادع حقيقي يمنع نتنياهو من تنفيذ ما يخطط له، والذي أصبح على ما يبدو أداة تنفيذية طيعة في يد الإدارة الأمريكية.

ليس من المستغرب أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بضرب عمق الضاحية، فقد نفّذت الكثير من الغارات حتى بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، ودخول القرار حيّز التنفيذ، وذلك على الرغم من أن الدولة اللبنانية وقيادة الجيش أبدوا استعدادهم الكامل لتنفيذ بنود ما تم الاتفاق عليه. وقد أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في تصريحات له بمناسبة مرور 100 يوم على تشكيل حكومته، بأن "الجيش اللبناني قام بتفكيك أكثر من 500 موقع ومخزن سلاح في المنطقة الممتدة جنوب نهر الليطاني، مشددًا في الوقت عينه على أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار المنشود في ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر على لبنان".

مواقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تقاطعت مع ما عبّر عنه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون من إدانة شديدة للعدوان الإسرائيلي الذي وقع مساء الخميس 5 يونيو/ حزيران على ضاحية بيروت الجنوبية وبعض المناطق الجنوبية الأخرى. وأكد الرئيس عون في بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية، على إدانته الشديدة لهذا العدوان، معتبرًا أن "هذا الانتهاك السافر لاتفاق دولي، كما لبديهيات القوانين والقرارات الأممية والإنسانية، عشية مناسبة عيد الأضحى المبارك، إنما هو الدليل القاطع على رفض المرتكب لمقتضيات الاستقرار والتسوية والسلام العادل في منطقتنا".

لا جدال في أن الحرب الحقيقية في المنطقة لم تبدأ بعد، فالضربات الإسرائيلية الأخيرة لم تكن تحمل رسائل موجّهة إلى الداخل اللبناني الذي يلتزم بتعهداته في تنفيذ بنود القرار رقم 1701، ولكنها أتت بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت، الثلاثاء 3 يونيو/ حزيران الجاري، والتي إضافة إلى طابعها الرسمي المؤيد لتحركات الدولة اللبنانية، حيث طالب بفتح "صفحة جديدة" مع لبنان، فقد حملت رسائل إلى إسرائيل من ضريح السيد حسن نصرالله، مفادها أن المقاومة في أتم الاستعداد، وأن إيران لا تزال الحاضنة الأولى والداعمة الرئيسية لها.

كما تفيد المعلومات غير الرسمية، بأن الهدف من هذه الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت، يحمل بعدًا تفاوضيًا مع الولايات المتحدة الأمريكية حول الملف النووي الإيراني، وذلك بسبب الحديث المتزايد عن عقدة "التخصيب" التي تعتبرها إيران حقًا مقدسًا لها، طالما أنها تستخدم في إطار البرنامج السلمي.

دخلت المفاوضات الإيرانية الأمريكية مرحلتها الحاسمة، وبدأ طرفا الحوار يلوّحان بأوراق القوة التي يمتلكها كل منهما. فتأكيد نتنياهو على أن إسرائيل ستنفذ ضربات عسكرية ضد إيران في حال تعثّرت تلك المفاوضات الحساسة، وأن قواتها الجوية تنفذ تدريبات مستمرة تحاكي سيناريو توجيه الضربات الجوية على إيران، يرسخ فكرة أنها ورقة أمريكا القوية في المنطقة. بينما أتى وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان ليرفع عاليًا ورقة إيران الأقوى في المنطقة، وهي وجود حزب الله وسلاحه، وأن هناك احتمالية لفتح الجبهة الجنوبية مجددًا في حال تعرُّض طهران لقصف إسرائيلي.

"اختلطت" الأمور على المواطن اللبناني البسيط، وبدأ يفقد ثقته بكل شيء من حوله، وكاد أن يردد مع الشاعر المتنبي: "عيد بأية حال عدت يا عيد"، وذلك بسبب حالة الهلع الشديد التي انتابته، وتحديدًا سكان ضاحية بيروت الجنوبية والمناطق الجنوبية الأخرى، بعدما أخلوا منازلهم على عجل مهرولين إلى أماكن يعتبرونها أكثر أمنًا من تلك التي استهدفتها إسرائيل بغاراتها.

هذا، وقد أتت الغارات الإسرائيلية عشية احتفال المسلمين في جميع أنحاء العالم بعيد الأضحى المبارك، حيث حوّلت إسرائيل "بهجة العيد" في عيون الأطفال الأبرياء في لبنان إلى قلق وخوف ورعب شديدين، بينما شردت ضرباتها هذه مئات العائلات التي ستضاف إلى تلك الآلاف التي أصبحت بالفعل دون مأوى.

لعبة "عضّ الأصابع" قد بدأت بالفعل بين الأمريكي والإيراني، ولكنّ المواطن اللبناني هو من يدفع الثمن ويصرخ من الألم؛ لأنه لا يوجد رادع حقيقي لإسرائيل حتى الآن لوقف عدوانها المستمر، على الرغم من تأكيد رئيس الحكومة اللبنانية على تطبيق القرار الدولي. وعلى الرغم من رفع الرئيس ميشال عون مستوى الإدانة إلى الجهات المعنية، وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأمور لن تهدأ على هذه الجبهة الملتهبة؛ لأن الهدف أبعد بكثير من مجرد تطبيق قرارات دولية، بل هو مرتبط بمصير المنطقة بأكملها. وإن الجولة السادسة من المفاوضات النووية ستكون الفيصل في تحديد مصير المنطقة، إما السير قدمًا في مسار الحل السلمي العادل والشامل، أو الانزلاق نحو المزيد من التصعيد المباشر والخطير، وهذا بالضبط ما يبتغيه نتنياهو وحكومته المتطرفة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة